أمّاه لو أبصرتِنا في معمعٍ *** والقصفُ يرعدُ والدخان مثارُ
الهامُ تصرخُ والحديدُ مزمجرٌ *** والموت فوق رؤوسنا دوّارُ
لرأيتِ من حولي يرابطُ إخوةٌ *** ما ذمّموا هربًا ولم ينهاروا
إخوانُ صدقٍ عندما احتدم الوغى *** لحِمى العقيدة والشريعة ثاروا
أيان ما سمعوا لصيحة فارسٍ *** يدعو إلى نيل الشهادة طاروا
وتدافعوا متطلعين إلى العُلا *** وتسابقوا نحو الفِدا وتباروا
صبروا لها حتى انجلت غمراتُها *** وانفضّ من ساحاتها الكفَّارُ
فمضى لعلياء الشهادة منهمُ *** نفرٌ كرامٌ خُلَّصٌ أخيارُ
فهمُ مصابيح الهدى وضياؤه *** وهمُ إذ احتدم الدجى أقمارُ
لهفي عليهم سارعت بهمُ الخُطا *** نحو الجنان وفي النعيم تواروا
أسفي على نفسي تبقَّتْ خلفهم *** تنتابها الأهواء والأخطارُ
ألمٌ تناوَبَني لفقْد أحبّةٍ *** من نورهم تتلألأ الأنوارُ
وأقول في نفسي يمزقني الأسى *** لولا الحياء لهاجني استعبارُ
يا «سيفُ» لا تبكي عليك عيوننا *** إن الدموع على الفوارس عارُ
يا «تاج» لا ترثيك بعض حروفنا *** لم تَنتَحْب لفراقك الأشعارُ
يبكيك إخوَتك الذين تعاهدوا *** عهدًا يوثّق عقدَه الإصرارُ
فبكَوك حين تسلّحوا بسلاحهم *** ورَثَوْك إذ ما استبسلوا وأغاروا
ونعَوْك حين تجمّعوا بمعسكرٍ *** وتوجّهوا نحو العدو وساروا
ما عادتِ الدنيا لتملكَ لُبَّهم *** أو يسترِقّ قلوبَهم دينارُ
ما نالت الأيام من تصميمهم *** أو هَدَّ من عزماتهم جبّارُ
فالغرب من إصرارهم متعجّبٌ *** والشرق من توحيدهم محتارو
الله بارك سعيهم فأمدّهم *** وأعزّهم بالفتح حيث أشاروا
أماه هل أرتاح بعد رحيلهم *** يعتادني الأحباب والسمّارُ
أماه هل يَهدا فؤادي بعدهم *** ويروقني الترحال والتسفارُ؟
وأكون موفور المطاعم متخمًا *** والجوع هدَّ عظامهم والنارُ
أنفي تضمخ بالشذا وأنوفهم *** قد مسَّهنَّ من المسير غباروُ
رفلتُ في خضر الثياب وبيضها *** وعليهمُ إثْرَ البِلى أطمارُ
أمَّاهُ لو خُيِّرتُ بين كفافهم *** ونعيمنا فنعيمَهم أختارُ
أماه لا أرضى مقامًا خلفهم *** إن القعود عن الجهاد صَغَارُ